هناك قصص تروى عن الأساطير، لكن بعض الأساطير لا تحتاج إلى رواة، بل تُكتب بأقدام أصحابها، وتعاش بكل تفاصيلها. هذه ليست مجرد قصة لاعب كرة قدم، بل قصة رجل تحدى المستحيل، قهر الفقر، وصنع مجدًا لا يُنسى.
إنها قصة جورج وياه، الفتى الذي لعب الكرة حافي القدمين في شوارع ليبيريا الموحلة، ليصبح أول إفريقي يتوج بالكرة الذهبية، ثم يعود إلى وطنه ليس كلاعب أو مدرب، بل كرئيس للجمهورية!
كيف صنع وياه أسطورته؟ كيف انتقل من ملاعب الأحياء الفقيرة إلى منصات التتويج العالمية، ثم إلى قصر الرئاسة؟ إليك الحكاية كاملة…
البداية من تحت الصفر
طفولة بين الفقر والمعاناة
وُلد جورج وياه في 1 أكتوبر 1966 في أحد أكثر الأحياء فقرًا في مونروفيا، ليبيريا. كان الفقر يحيط به من كل جانب، حيث لا كهرباء، لا ماء نظيف، ولا حتى فرصة لحياة كريمة.
لكن هناك شيء واحد كان يمنحه الأمل… كرة القدم.
• لعب وياه الكرة في الشوارع حافي القدمين، مستخدمًا أي شيء دائري الشكل ككرة.
• لم يكن لديه مال لشراء الأحذية أو الملابس الرياضية، لكنه امتلك موهبة نادرة جعلته مختلفًا عن كل من حوله.
• بدأ مسيرته في أندية محلية متواضعة، لكن سرعته الخارقة وقدرته على مراوغة المدافعين جعلته حديث الجميع.
في عالم يحكمه الفقر، كان وياه يحلم أن يصبح نجمًا عالميًا… لكنه لم يكن يعلم أن الحلم كان أقرب مما يتخيل!
العين الفرنسية التي غيرت كل شيء
في عام 1988، بينما كان وياه يلعب في نادي تونيري ياوندي الكاميروني، كانت هناك عين خبيرة تراقبه بصمت… تلك العين كانت لمدرب اسمه آرسين فينغر، الرجل الذي سيغير حياته للأبد.
فينغر، الذي كان وقتها مدربًا لنادي موناكو الفرنسي، شاهد وياه وأدرك فورًا أنه أمام موهبة نادرة. بدون تردد، قرر منحه الفرصة والانتقال إلى أوروبا، وهكذا بدأ فصل جديد في حياة النجم الإفريقي.
• انتقل وياه إلى موناكو، وهناك بدأ رحلة التألق في فرنسا.
• خلال سنوات قليلة، انتقل إلى باريس سان جيرمان، حيث حطم شباك الخصوم وأصبح أحد أفضل المهاجمين في أوروبا.
• فاز بالدوري الفرنسي وكأس فرنسا، وأصبح حديث الجميع بسبب سرعته الجنونية ومهاراته المذهلة.
لكن هذا لم يكن سوى البداية… كان هناك تحدٍّ أكبر ينتظره في إيطاليا.
المجد في ميلان والكرة الذهبية
في عام 1995، انتقل وياه إلى إي سي ميلان، أحد أعظم أندية العالم، وهناك تحول من مجرد نجم إلى أسطورة حية.
• قاد الفريق للفوز بالدوري الإيطالي مرتين.
• سجل أحد أعظم الأهداف في تاريخ كرة القدم، عندما انطلق بالكرة من منطقة جزائه، راوغ الجميع، ثم سجل هدفًا لا يُنسى!
• وفي نفس العام، كتب اسمه بأحرف من ذهب عندما فاز بجائزة الكرة الذهبية، ليصبح أول لاعب إفريقي في التاريخ يفوز بهذه الجائزة!
لم يكن وياه مجرد هداف، بل كان لاعبًا يمزج بين القوة البدنية والذكاء الكروي والسرعة الخيالية. لم يكن أحد قادرًا على إيقافه، وكان الجميع يعلم أنه أفضل مهاجم في العالم.
لكن رغم كل هذا المجد، كان هناك شيء واحد لم ينسه أبدًا… بلاده ليبيريا، التي كانت تعاني الفقر والحروب.
القلب الذي لم ينسَ وطنه
اللاعب الذي كان يدفع من جيبه لمنتخب بلاده!
بينما كان وياه يجمع الألقاب والجوائز، لم ينسَ للحظة واحدة أين بدأ. على عكس العديد من النجوم الذين ينشغلون بحياتهم الفاخرة، كان وياه لا يزال يناضل من أجل بلاده.
• في التسعينيات، عندما لم يكن هناك مال لتمويل منتخب ليبيريا، دفع من ماله الخاص لتمويل الفريق.
• دفع رواتب اللاعبين، حجز الفنادق، بل حتى تكاليف الطيران من أجل خوض المباريات الدولية!
• رغم قلة الإمكانيات، قاد وياه منتخب بلاده إلى كأس الأمم الإفريقية 1996 و2002، في إنجاز شبه مستحيل.
لقد كان أكثر من مجرد لاعب كرة… كان قائدًا حقيقيًا لشعبه.
من الملاعب إلى كرسي الرئاسة
السياسة.. التحدي الأكبر
في عام 2003، قرر وياه الاعتزال، لكنه لم يكن مستعدًا لحياة هادئة بعد كرة القدم. كان يرى بلاده تعاني الفقر، الفساد، والحروب الأهلية، وأدرك أن هناك شيئًا أكبر عليه فعله… قيادة بلاده نحو مستقبل أفضل.
• في 2005، خاض الانتخابات الرئاسية، لكنه خسر بسبب قلة خبرته السياسية.
• لم يستسلم، بل عاد للدراسة، وحصل على شهادات في الإدارة والسياسة ليكون جاهزًا.
• في 2017، عاد أقوى من أي وقت مضى، وخاض الانتخابات مجددًا، ليحقق الحلم المستحيل… أصبح رئيس جمهورية ليبيريا!
الرئيس الذي لم ينسَ ماضيه
منذ توليه الحكم، ركّز وياه على:
• تحسين التعليم: جعل التعليم الأساسي مجانيًا لجميع الأطفال.
• إصلاح النظام الصحي: قام ببناء مستشفيات جديدة لمساعدة الفقراء.
• تطوير الرياضة: استثمر في كرة القدم وأعاد الأمل للشباب الليبيري.
لم يكن مجرد سياسي، بل كان رجلًا يعرف تمامًا معنى الفقر ومعاناة الشعب، لأنه عاشها بنفسه.
أسطورة لن تتكرر
هناك لاعبون يصنعون التاريخ في الملعب، لكن جورج وياه صنع التاريخ داخل وخارج الملعب.
• من طفل يلعب حافي القدمين في شوارع مونروفيا، إلى أفضل لاعب في العالم.
• من نجم عالمي، إلى رئيس يقود بلاده نحو التغيير.
• لم يكن مجرد لاعب كرة، بل رجلًا غير حياة الملايين.
قصة وياه ليست مجرد قصة نجاح، إنها دليل على أن الأحلام لا تعرف الحدود، وأن المستحيل يمكن تحقيقه إذا كنت تؤمن بنفسك.
من الشوارع الفقيرة… إلى الكرة الذهبية… إلى قصر الرئاسة…
هذه ليست مجرد رحلة لاعب كرة، إنها أسطورة رجل لا يُنسى.